الرئيس المنتدب للسلطة القضائية والرئيس الاول لمحكمة النقض:إن من حق المغرب أن يتطلع إلى تبوأ المكانة
في افتتاح أشغال الندوة الوطنية برحاب المركب الثقافي والإداري للأوقاف والشؤون الإسلامية بمراكش، من طرف الودادية الحسنية للقضاة ومكتبها بمحكمة النقض، وهيئة المحامين بمراكش، وجهة مراكش-أسفي، والمجلس الجماعي بمراكش، وجامعة القاضي عياض بمراكش، حول موضوع: الرقابة على تدبير الجماعات الترابية إليكم النص الكامل لكلمة السيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية والرئيس الاول لمحكمة النقض و التي تم إلقاؤها بالنيابة عنه في مراكش من طرف الدكتور حسن فتوخ مستشار بمحكمة النقض
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه وبعد؛ السيد الوكيل العام للملك بمحكمة النقض السيد وزير العدل السيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة السيد رئيس مكتب الودادية الحسنية للقضاة بمحكمة النقض السيد نقيب هيئة المحامين بمراكش السيد رئيس جهة مراكش – آسفي السيد والي جهة مراكش آسفي السيد رئيس المجلس الجماعي بمراكش السيد رئيس جامعة القاضي عياض حضرات السيدات والسادة
الحضور الكريم؛ يطيب لي أن أحييكم جميعا، وأعرب لكم عن بالغ الثناء والتقدير، على الدعوة الكريمة لحضور افتتاح أشغال هذه الندوة الوطنية برحاب المركب الثقافي والإداري للأوقاف والشؤون الإسلامية بمراكش، حول موضوع: "الرقابة على تدبير الجماعات الترابية"، اعتبارا لأهميته القصوى وبعده الاستراتيجي في مجال الحكامة المحلية وترسيخ اللامركزية وإذا كانت السلطة القضائية المستقلة هي الضامن للحقوق والحريات، فإن مستقبل الوطن الآن أمـام رهان الجهوية المتقدمة كنموذج للتدبيـر الإداري، هدفها إشـراك المواطنيـن في اتخـاذ القـرارات التي تؤثر في حياتهم اليومية، من خلال توفير فضاءات وآليات دائمة للحوار والتشاور، بما يتيح تملكهم للبرامج، والانخراط في تنفيذها، وذلك في إطار تجسيد الوفاء بين العرش والشعب، الذي أعلن عنه مولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة والمهابة، الملك محمد الساس حفظه الله وأعز أمره، في خطابه السامي من مدينة العيون، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء والذي جاء فيه
" "المغرب إذا وعد وفى، قولا وفعلا، ولا يلتزم إلا بما يستطيع الوفاء به. وبذلك فإننا نوجه رسالة إلى العالم: نحن لا نرفع شعارات فارغة ولا نبيع الأوهام، كما يفعل الآخرون، بل نقدم الالتزامات ونقوم بالوفاء بها، وبتنفيذها على أرض الواقع فالمغرب وعد بتطبيق الجهوية المتقدمة، وهي اليوم حقيقة على أرض الواقع، بمؤسساتها واختصاصاتها والمغرب وعد بالديمقراطية، وبتمكين سكان أقاليمه الجنوبية من تدبير شؤونهم المحلية، وها هم اليوم يختارون ممثليهم ويشاركون في المؤسسات المحلية بكل حرية ومسؤولية". انتهى النطق الملكي السامي
الحضور الكريم؛ إن المنظومة القانونية المتعلقة بالتنظيم الترابي للمملكة، ومهما تضمنت من مستجدات تشريعية متقدمة للرفع من مستوى أداء الجماعات الترابية، وضمان إنجاز المشاريع المجتمعية الكبرى، فإن دقة المرحلة وراهنية الأوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب كبلد صاعد تطرح العديد من التحديات على مستوى الحكامة المحلية، وفي
طليعتها إيجاد آليات رقابة ملائمة، هدفها المحافظة على الوحدة الوطنية، وعلى سيادة النظام والقانون، وحماية الحقوق والحريات وضمان حسن تدخلات الجماعات الترابية وإذا كانت الحكامة المحلية كأسلوب تدبيري يحيل على النجاعة والفعالية، ويجعل المواطن في صلب التنمية المحلية، فإن تحقيق ذلك يتوقف على دعم التكوين، و تأهيل النخب وتطوير الكفاءات، وتعزيز الوعي الفردي والجماعي بالحقوق والواجبات، وإشاعة قيم المواطنة، وثقافة التفاني، المصداقية، الجدية والضمير المسؤول، باعتبارها مدخلا أساسيا لتقوية اللامركزية الترابية، وتحسين أدائها في جميع المجالات
الحضور الكريم؛ إن طموحنا النبيل لكسب رهان النموذج التنموي المتميز لبلادنا، رهين باستثمار كل الإمكانات المتاحة، والانخراط الجاد والهادف في تعزيز الديمقراطية ودولة الحق والمؤسسات، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة على أرض الواقع، وفق رؤية مواطنة، تروم تبسيط النظام الرقابي على الجماعات الترابية، وتحسين تدبيره، والرفع من مردوديته، لتحقيق مزيد من التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير بيئة آمنة للاستقرار والاستثمار وإذا كانت الرقابة على تدبير الشأن المحلي تشكل المقابل الموضوعي لاستقلالية الجماعات الترابية، وهما ركنان أساسيان في اللامركزية الإدارية الترابية، فإن ضمان التطور التنموي يقتضي ضرورة الموازنة بينهما وعدم تغليب أحدهما على الآخر، بدليل أن اختلاف أنواع الرقابة التي تخضع لها الجماعات المذكورة، قد تساهم بشكل غير مباشر في عدم تحقيق الهدف من الرقابة نفسها، بل إن تعددها يمكن أن يخلق نوعا من التعارض والتضارب بين أعمال وتدخلات مختلف الأجهزة الرقابية من الناحية الواقعية
والقانونية، ويؤدي في النتيجة إلى إهدار الزمن الرقابي، وغياب الحكامة والنجاعة الرقابية والأكيد أن فتح أي نقاش موضوعي حول سبل تجويد الرقابة على الجماعات الترابية، رهين بمكاشفة صريحة وجريئة بين الحقوقيين والباحثين والمهتمين والفاعلين، ترتكز في بعدها العلمي على قراءة نقدية دقيقة للمزايا والنواقص، ورؤية استشرافية بحمولة حقوقية تراعي المكتسبات الدستورية والتنظيمية للجماعات الترابية، وتنهل من مبادئ وقيم المجتمع المغربي، بما يساهم في تطوير الشفافية والمساءلة، وضمان حسن سير المرافق المحلية وتخفيف العبء على مركز القرار، والانخراط في مسلسل التنمية المحلية
الحضور الكريم إذا كان العدل أساس الملك، فإن استقلال السلطة القضائية هو أساس العدل، الذي يقوم في بعده المؤسساتي على التحديد الدقيق لنطاق التعاون وتدبير آليات التوازن مع باقي السلط، بما يبعث على اطمئنان المواطنين على مصالحهم وحقوقهم، من خلال تحصين القضاء في مواجهة الضغوط والتأثيرات، وتوفير الشروط المادية والمعنوية الضرورية لضمان الاستقلال الشخصي للقضاة وعدم خضوعهم إلا لضمائرهم، وخلق فضاء عمل ملائم لحسن سير العمل القضائي، وإقرار الضمانات الكفيلة بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية في مواجهة الجميع وعلى قدم المساواة. إن ريادة العمل القضائي في المادة الإدارية، ينبئ عن آفاق واعدة، ويؤشر إلى قضاء إداري يتسم بالجرأة والمرونة، وبالموضوعية والواقعية، وهو ما يجعل وظيفته الايجابية جديرة بالاعتبار بالنسبة لتقويم انحرافات وأخطاء الإدارة، والارتقاء بثقافة الديمقراطية، وتحسين علاقة الإدارة بالمواطنين، وحمايتهم من الشطط في استعمال
السلطة، من خلال إقامة التوازن بين المصلحة العامة والخاصة، وتجسيد مبدأ المشروعية وسيادة القانون باعتباره المؤشر الأساسي الذي تقاس به دولة الحق والمؤسسات ومن هذا المنطلق، فإن المنازعات الإدارية المتعلقة بالحكامة المحلية، تجسد في مضمونها الصراع المتطور والمتجدد بين السلطة والحرية، والتنازع الدائم بين المصلحة العامة للدولة والحقوق الخاصة للأفراد المضمونة قانونا، وهو ما يعكس أهمية تطور اجتهاد القضاء الإداري، المفعم بروح إبداع قضاة كلهم حماس وطموح ومدارس، في الاجتهاد والعطاء والمردودية لتكريس مبادئ قضائية، كونية، وحمائية، تضمن للمواطن أمنه وحريته وكرامته
الحضور الكريم؛ إن من حق المغرب أن يتطلع إلى تبوأ المكانة التي تليق به كبلد رائد في مجال الحكامة المحلية وكفضاء ملائم للمبادرات التنموية، لما أصبح يتوفر عليه من آليات قانونية وتنظيمية وتدبيرية ورقابية وبنيات اقتصادية ومالية ولوجستيكية كبرى، ستجعل من المدن والجماعات المحلية، شريكا حقيقيا في مسلسل التنمية الشاملة، وقوة اقتراحية، لتفعيل مختلف الاستراتيجيات الوطنية، وركيزة أساسية لبناء المغرب الحديث ولي اليقين، أن خدمة المواطن، أمانة جسيمة ومسؤولية وطنية، تقتضي من الجميع في المرحلة الراهنة، الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين، والعمل على تذليل الصعوبات والإكراهات التي تواجههم، وبلورة حلول كفيلة بحسن تدبير مشاكلهم، وخدمة مصالحهم، والدفع قدما بتطوير أداء المرفق العمومي، بدءا من الاستقبال ، مرورا بالتواصل، وانتهاء بمعالجة القضايا، وذلك وفق مقاربة ترابية، وحكامة مواطنة، تروم تطوير الخدمات، وتقديمها في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، بما يساهم في تعزيز سياسة القرب، وتخليق الحياة العامة، وترجمة مبدأ
المساواة في التعامل اليومي مع المواطنين، والانخراط في الدينامية المؤسسية والتنموية التي تعرفها بلادنا
وفــي الختــام؛ إنني إذ أجدد الشكر والامتنان والتقدير لكل من ساهم في إنجاح هذا الملتقى الوطني الهام، تفكيرا وإعداد وتنظيما، فإنني على يقين تام أنه، بفضل الكفاءات القضائية والحقوقية والجامعية المرموقة المشاركة فيه، سيشكل مناسبة للتفكير والبحث والحوار الجدي، من أجل بلورة توصيات ومقترحات عملية، وأؤكد لكم العزم القوي لمحكمة النقض على مواصلة مزيد من الانفتاح على محيطها، وتقاسم تجربتها القضائية الرائدة، وممارستها الناجعة في حقل العدالة بمختلف أبعادها، وأن أبوابها مفتوحة لكل المبادرات الوطنية الجادة والهادفة، وأنها على استعداد دائم لأي تعاون مشترك يروم خدمة الوطن والمواطن الذي يعتبر قطب الرحى في جميع الأوراش التنموية الكبرى التي يقودها عاهل البلاد مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، دام له النصر والعز والتمكين، والسؤدد والفتح المبين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والرئيس الأول لمحكمة النقض