بمشاركة الشباب ورؤساء دول وحكومات، مجلس الأمن يبحث أثر المناخ على السلام والأمن
دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى إنشاء "تحالف عالمي حقيقي" للالتزام بصافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن، مشددا على أن الحد من الفقر وانعدام الأمن الغذائي والنزوح الناجم عن الاضطرابات المناخية يساهم في الحفاظ على السلام والحد من مخاطر الصراع.
دعوة الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، جاءت في مناقشة رفيعة المستوى بمجلس الأمن، الذي ترأسه بريطانيا هذا الشهر، حول "صون السلم والأمن الدوليين: المناخ والأمن".
شارك في المناقشة، التي عُقدت عبر تقنية التواصل المرئي، رؤساء دول وحكومات والناشطة السودانية الشابة، نسرين الصائم رئيسة الفريق الاستشاري المعني بتغير المناخ.
وبحث المشاركون دور مجلس الأمن في معالجة المخاطر الأمنية ذات الصلة بالمناخ من خلال اتباع نهج بناء السلام ودعم التكيّف والصمود في البيئات المعرّضة لتغيّر المناخ.
قضية حاسمة في عصرنا
وأشار الأمين العام إلى أن حالة الطوارئ المناخية هي القضية الحاسمة في عصرنا. وقال: "كان العقد الماضي الأكثر ارتفاعا في درجات الحرارة في تاريخ البشرية. مستويات ثاني أكسيد الكربون سجّلت ارتفاعا قياسيا وأصبحت حرائق الغابات والأعاصير والفيضانات هي الوضع الطبيعي الجديد. هذه الصدمات لا تضرّ بالبيئة التي نعتمد عليها فحسب، لكنّها أيضا تضعف أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
ودعا الأمين العام إلى العمل من أجل الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية مع نهاية القرن، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وحماية الناس والمجتمعات التي تتأثر باضطراب المناخ.
المناخ يضاعف الأزمات
لفت السيّد غوتيريش إلى ضرورة تكثيف الاستعدادات للتداعيات المتصاعدة على السلم والأمن الدوليين الناجمة عن أزمة المناخ. وشدد على أن اضطراب المناخ يُعدّ عامل تضخيم للأزمات ومضاعفا لها.
وتكون آثار الأزمات أكبر عندما تُضعف الهشاشة والصراعات آليات المواجهة، حيث يعتمد الناس على رأس المال الطبيعي مثل الغابات والمناطق الثرية بالأسماك لكسب الرزق، وحيث لا تتمتع النساء اللائي يتحملن العبء الأكبر من تأثير حالة الطوارئ المناخية، بحقوق متساوية، كما أن التعرّض لمخاطر المناخ يرتبط بعدم المساواة في الدخل.
وتابع يقول: "يجفف تغيّر المناخ الأنهار ويقلل المحاصيل الزراعية ويدمّر البنية التحتية ويشرّد المجتمعات ويؤدي إلى تفاقم مخاطر انعدام الاستقرار، والصراع".
في أفغانستان على سبيل المثال، حيث يعمل 40% من القوى العاملة في مجال الزراعة، يؤدي انخفاض المحاصيل إلى الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ويتركهم عرضة للتجنيد على يد العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة.
في غرب أفريقيا ودول الساحل، يعتمد أكثر من 50 مليون شخص على تربية المواشي للبقاء على قيد الحياة. وقد ساهم التغير في أنماط الرعي في تنامي العنف والصراع بين الرعاة والمزارعين.
في دارفور، قلة الأمطار والجفاف المتكرر يؤديان إلى زيادة انعدام الأمن والتنافس على الموارد. والتداعيات مدمرة بشكل خاص على النساء والفتيات، اللائي يُجبرن على السير لمسافات أطول لجلب المياه، مما يعرّضهن لمخاطر أكبر من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وفي بعض الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهادئ، أُجبرت مجتمعات بأكملها على الانتقال مما أثّر بشكل مروع على سبل كسب عيشها وثقافتها وتراثها.
وقال الأمين العام: "من الواضح أن التنقل القسري لأعداد أكبر من الناس حول العالم سيزيد احتمالات الصراع وانعدام الأمن، ومفاقمة معاناتهم".
كوفيد-19 تكشف حجم الدمار
قال السيّد غوتيريش إن ثمّة حاجة إلى تركيز أكبر على الوقاية من خلال اتخاذ إجراءات مناخية قوية وطموحة، مع وجوب وضع العالم على المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتـفاق باريس وتجنّب كارثة المناخ.
ودعا إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية البلدان والمجتمعات والأشخاص من التأثيرات المناخية المتكررة والشديدة بشكل متزايد، مع الحاجة إلى رفع مستوى الاستثمارات بشكل كبير.
وحثّ الأمين العام على تبني مفهوم للأمن يضع الناس في جوهره. فقد أظهرت جائحة كوفيد-19 حجم الدمار الذي يمكن أن تسببه "التهديدات الأمنية غير التقليدية" على نطاق عالمي.
عقد من التحوّل
استعدادا لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ (COP 26) المقرر في غلاسكو بالمملكة المتحدة، ولضمان نجاحه، دعا الأمين العام جميع الدول الأعضاء لأن تقدّم – قبل تشرين الثاني/نوفمبر بفترة طويلة – مساهمات محددة وطنيا طموحة، مع أهداف تسمح بخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 عن مستويات عام 2010. ودعا جميع الشركات والمدن والمؤسسات المالية لإعداد خطط ملموسة وذات مصداقية للحد من الكربون.
وقال: "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه، ونتطلع إلى أكثر الدول المتسببة بالانبعاثات لأن تكون قدوة يُحتذى بها في الأشهر المقبلة. إنها الطريقة الوحيدة التي سنبقي بها هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد".
كما حثّ البلدان المتقدمة على الوفاء بتعهدها المتمثل بتقديم 100 مليار دولار سنويا إلى دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بعد أن فات الموعد المحدد لذلك العام الماضي.
وقال: "نحن بحاجة إلى توسيع نطاق أنظمة الإنذار المبكر والعمل المبكر بشأن الأزمات المتعلقة بالمناخ، من الجفاف والعواصف إلى ظهور الأمراض حيوانية المصدر"، هذا بالإضافة إلى الحاجة لحماية اجتماعية أقوى لدعم المتضررين. ودعا لأن تبدأ هذه الإجراءات الآن مع سياسات تحويلية "ونحن نخرج من هذه الجائحة".
المزيد عن جلسة مجلس الأمن الدولي وكلمات بعض المشاركين لاحقا.
Comments